
شكّلت الصحراء الجزائرية عنصرًا حاسمًا في الاستراتيجية الاستعمارية الفرنسية منذ احتلال الجزائر سنة 1830. لم يكن التوسع الفرنسي في الجنوب عشوائيًا، بل استند إلى مخططات دقيقة تهدف إلى بسط السيطرة الكاملة على هذا الفضاء الجغرافي الشاسع، بما يحمله من ثروات طبيعية وموقع استراتيجي، وهذه الاستراتيجية تبدأ بالتقسيم الاداري.
دراسة التركيبة السكانية للصحراء الجزائرية
حيث اعتمدت فرنسا على دراسة معمّقة للتركيبة السكانية لفهم طبيعة السكان، أنماطهم الاجتماعية، والقبلية، والتنقلات البدوية. وركّزت على:
* القبائل الكبرى ومراكز نفوذها
* ولاء السكان وتأثير الزعامات المحلية
* طبيعة العلاقة بين السكان والدولة العثمانية سابقًا
هذه المعطيات مكّنت المستعمر من تحديد مراكز المقاومة ووضع خطط لاحتوائها عبر التفاوض أو القوة.
دور المستكشفين في التمهيد للغزو الفرنسي للجنوب الجزائري
كما اعتمدت فرنسا بشكل كبير على المستكشفين لجمع المعلومات حول جغرافية الصحراء، وطرقها، ومواقع المياه. من أبرزهم:
* هنري دوفييري (Henri Duveyrier)
كانوا بمثابة “عيون فرنسا” في الجنوب، ومهّدوا الطريق أمام الحملات العسكرية والتغلغل الإداري.
استحداث أقاليم خاصة بالجنوب
فصلت فرنسا الصحراء إداريًا عن الشمال عبر استحداث “أقاليم الجنوب”، وهي مناطق عسكرية مستقلة عن الولايات الشمالية بهدف:
* تسهيل السيطرة المباشرة على الجنوب
* عزل المنطقة عن أي تأثير وطني أو مقاومة من الشمال
قانون 24 ديسمبر 1902 وأهدافه
في حين سنّت فرنسا قانونًا إداريًا خاصًا بأقاليم الجنوب، يهدف إلى:
* ضبط الإنفاق العسكري وتخفيض التكاليف
* وضع ميزانية مستقلة للأقاليم الصحراوية
* منح الحاكم العام صلاحيات إدارية ودفاعية واسعة
من صلاحيات الحاكم العام:
* رفض أي نشاط عسكري غير مرخص به
* تبنّي إدارة مرنة تراعي خصوصيات المنطقة
التنظيم الإداري والعسكري لأقاليم الجنوبى الجزائري
التقسيم الإداري بموجب قانون 24 ديسمبر 1902
قسمت فرنسا الجنوب إلى أربعة أقاليم عسكرية:
* إقليم عين الصفراء – مركزه: عين الصفراء
* إقليم غرداية – مركزه: الأغواط
* إقليم توقرت – مركزه: توقرت
* إقليم الواحات – مركزه: ورقلة (سابقًا عين صالح)
نظام التسيير الإداري المزدوج (مرسوم 12 ديسمبر 1905)
* الشكل الأول: دوائر، ملحقات، مراكز
* الشكل الثاني: بلديات مختلطة وبلديات أهلية
ورغم وجود هيكل مدني، إلا أن السلطة كانت بيد ضباط الشؤون الأهلية العسكريين.
الهيكلة القيادية
كل إقليم يُدار من طرف ضابط سامٍ يُعيّن وفق مرسوم 14 أوت 1905، بناء على اقتراح وزيري الحربية والداخلية.
التقسيمات الإدارية الداخلية للأقاليم
إقليم غرداية
* دائرة غرداية: بلدية غرداية
* دائرة الجلفة:
* بلدية الجلفة المختلطة
* بلدية الجلفة الأهلية (قبائل وقصور)
* دائرة الأغواط:
* بلدية الأغواط المختلطة (المدينة والواحات)
* بلدية الأغواط الأهلية (قبائل وقصور)
إقليم عين الصفراء
* دائرة مشرية: بلدية مشرية المختلطة – مركز برقون
* دائرة البيض: بلدية البيض المختلطة – مركز الأبيض سيدي الشيخ
* دائرة كولومب بشار:
* بلدية كولومب بشار الأهلية – ملحق بني عباس – مركز تاغيت – مركز تلزازة
* بلدية عين الصفراء المختلطة: قسم عين الصفراء، قسم بني ونيف
إقليم الواحات
* العاصمة: أدرار (ثم ورقلة 1914)
* يشمل:
* بلدية الواحات الأهلية
* ملحق توات (أدرار)
* ملحق تيدكلت
* مركز قورارة (تيميمون)
نُقلت العاصمة إلى ورقلة لمراقبة الحدود الجزائرية الليبية، ولاحقًا أصبحت مقرًا للقيادة العامة (1917-1919) بقيادة لابيرين (Laperrine).
إقليم توقرت
* العاصمة: بسكرة
* دائرة توقرت:
* بلدية توقرت الأهلية
* ملحقة وادي سوف
* بلدية بسكرة الأهلية:
* ملحقة بسكرة
* مركز أولاد جلال
حدود الأقاليم الجنوبية الجزائرية من الشمال والشرق والغرب
* من الشمال: حدود مع الولايات الشمالية (الأطلس الصحراوي)
* من الشرق: حدود تصل إلى ليبيا
* من الغرب: تمتد نحو الأراضي المغربية (تندوف وغيرها)
أهداف ترسيم الحدود:
* تأمين الممرات التجارية الكبرى
* خلق تواصل استعماري بين الجزائر، تونس، النيجر، ومالي
خلاصة: الهيمنة الاستعمارية وأثرها المستمر
تكشف هذه الاستراتيجية عن مشروع استعماري متكامل، وظّف أدوات الجغرافيا، القانون، الإدارة، والمعلومة للهيمنة الكاملة على الصحراء الجزائرية. وقد خلّف هذا المشروع إرثًا من التفاوت التنموي والانقسام الجغرافي،